فصل: شهر رجب سنة 1225:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر جمادى الأولى سنة 1225:

واستهل بيوم الأحد فيه عمل الباشا ميدان رماحه بالجيزة فتقنطر به الحصان ووقع به الأرض فأقاموه وأصيب غلام من مماليكه برصاصة فمات ويقال أن الضارب لها كان قاصداً الباشا فأخطأته وأصابت ذلك المملوك والأجل حصن.
وفيه نبهوا على العسكر بالخروج فسعوا بالجد والعجلة في قضاء أشغالهم ولوازمهم وطفقوا يخطفون حمير الناس وجمالهم ومن يصادفونه ويقدرون عليه من أهل البلد وخلافهم ويقولون في غد مسافرون وراحلون لمحاربة المصريين والمصريون أيضاً مستمرون في منزلتهم لم ينتقلوا عنها.
وفي خامسه، خرج حسن باشا وبرز خيامه بناحية الآثار وخرج أيضاً محو بك بعسكره وطوائفه ومعهم بيارق وسافر جملة عساكر في المراكب ليرابطوا في البنادر فإنها خالية ليس بها أحد من المصريين وفي كل يوم يخرج عساكر، ثم يرجعون إلى المدينة وهم مستديمون على خطف الدواب وحمير البطيخ وجمال السقائين والباشا يعدي إلى بر مصر في كل يومين أو ثلاثة ويطلع إلى القلعة، ثم يعود إلى مخيمه في الجيزة وامتنع سفر المسافرين قبلي وبحري.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشره، بلغ الباشا أن الأمراء المرادية والإبراهيمية وغالب المصرية لهم مراسلات ومعاملات مع السيد سلامة النجاري وأخيه وابن أخيه وأنه يرسل لهم جميع ما يلزم من أسلحة وأمتعة وخلافها بواسطة بعض عملائهم من العربان خفية وأنه اشترى جملة أسلحة وخيول وثياب وغيرها وأخذ أشياء من بيوت بعضهم لأجل أن يرسل الجميع إليهم وأن جميع ذلك موجود عند المذكور الآن ومن جملة أيام حضر رسول من عندهم بدارهم ومعه حصان نعمان بك وهو عنده أيضاً فأمر بجلبه وحبسه وهجم منزله وضبط أوراقه وضبط ما يوجد بها ففعلوا ذلك وحبسوا معه ابن أخيه وأزعجوهما وهجموا منزله فوجدوا فيه خمسة خيول وجملة أسلحة فطغوا وبغوا ونهبوا متاعه وبددوا شمل كتب أبيه، ولم يجدوا مكاتبات من الأمراء القبالي ولا أثر لذلك بل أنهم وجدوا جواباً من أخيه السيد أحمد مضمونه أننا عند وصولنا إلى مكة المشرفة اشترينا أربعة خيول نجدية بها العلامات التي أفدتمونا عنها وهي مرسلة لكم عسى أن تفوزوا بتقديمها لأفندينا ولما سئل عن الأسلحة والخيول التي عنده قال: إن السلاح عندنا من قديم وله مدد ورؤيته تدل على ذلك وأما الخيول فمنها أربعة أحضرتها هدية لأفندينا وجاءت ضعيفة فأبقيتها عندي حتى تتقوى وأقدمها إليه والحصان الخامس اشتريته لنفسي من رجل عميلنا اسمه عطوان أحمد من أهالي كفر حكيم أخبرني أنه اشتراه من ناحية صول، ولما رأيت فيه علامات الجودة وجاءت الأربعة خيول تركت ركوبه وأبقيته معها حتى أقدم الجميع لأفندينا فعند ذلك توجه محمد أفندي طبل للباشا وفهمه براءة ذمة المذكور وأخبره بما صار وما وجدوه وما قاله المذكور وسعى في إزالة هذه التهمة عنه وعرفه أن هذا الرجل مستقيم الأحوال وأنه من وقت توظيفه معه لم ينظر عليه ما يخالف وصدق عليه الحاضرون فلما ظهر للباشا كذب التهمة وتحقق براءته وأنه أحضر هذه الخيول هدية له أمر بإطلاقه من السجن واسترجاع ما نهبته الأعوان من منزله وتخلق عليهم بسبب ذلك، ثم أمر بإحضاره وإحضار الخيول المهداة له فقبلها منه، ثم سأله عن علامات الجودة وما يحمد في الخيل وما يذم فيها فأجابه بأجوبة مفيدة استحسنها فأنعم عليه وضاعف مرتبه وأحال عليه نظر مشتري الخيول.
وفيه وصلت الأخبار بأن حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك وعساكر الأرنؤد وصلوا إلى ناحية صول والبرنبل فوجدوا المصريين جعلوا متاريس ومدافع على البر ليمنعوا مرور المراكب فحاربوهم حتى أجلوهم عنها وملكوا المتاريس وقتل رجل من الأجناد وهو الذي كان محافظاً على المتاريس يقال له إبراهيم آغا سقط به الجرف إلى البحر فأخذوه إليهم ومعه آخر وقتلوهما وقطعوا رؤوسهما وأرسلوهما صحبة المبشرين إلى الباشا فعلقوا الرأسين بباب زويلة ولما بلغ الأمراء المصريين أخذ المتاريس وتأهبوا وساروا من أول الليل وهي ليلة السبت رابع عشره مكمنين وكاتمين أمرهم فدهموا الأرنؤد من كل ناحية فوقع بينهم مقتلة عظيمة وأخذوا منهم عدة بالحياة وأخذوا منهم أشياء وكان حسن باشا وأخوه عابدين صعدا بمراكبهما إلى قبلي المتريس فاحترق من مراكب أخيه مركب وألقى من فيها بأنفسهم إلى البحر فمنهم من نجا ومنهم من غرق، وأما مراكب حسن باشا فإنه ساعدها الريح أيضاً فسارت إلى ناحية بني سويف، ثم أن المصريين عدى منهم طائفة إلى شرق اطفيح وانتقل بواقيهم راجعين إلى ناحية الجيزة قريباً من عرضي الباشا.
وفي ليلة الخميس تاسع عشره عدى الباشا إلى بر مصر وطلع إلى القلعة، فلما كان الليل وصل طائفة من المصريين إلى المرابطين لخفارة عرضي الباشا واحتاطوا بهم وساقوهم إليهم فانزعج العرضي وحصل فيهم غاغة فأرسل طوسون باشا إلى أبيه فركب ونزل من القلعة في سادس ساعة من الليل وعدى إلى البر الغربي ومما سمعته أن الباشا عندما نزل المعدية وسار بها في البحر سمع واحداً يقول لآخر قدم حتى نقتل المصريين ونبد شملهم ويكرر ذلك فأرسل الباشا مركباً وأرسل بعض أتباعه بها لينظروا هذين الشخصين ولأي شيء نزلا البحر في هذا الوقت، فلما ذهبوا إلى الجهة التي سمعه منها الصوت، لم يجدوا أحداً وتفحصوا عنهما، فلم يجدوهما فاعتقد من له اعتقاد منهم أنهما من الأولياء وأن الباشا مساعد بأهل الباطن.
وفي عشرينه، ظهر التفاشل بين الأمراء المصريين وتبين أن الذين كانوا عدوا إلى البر الشرقي هم ثلاثة أمراء من الألفية وهم نعمان بك وأمين بك ويحيى بك وذلك أنهم لما تصالحوا مع الباشا وأميرهم شاهين بك وهو الرئيس المنظور إليه ومطلق التصرف في معظم البر الغربي والفيوم يتحكم فيهم وفي طوائف العربان وأهالي البلاد والفلاحين بما يريد وكذلك أموال المعادي بناحية الأخصاص وأنبابة والخبيري وغير ذلك وهو شيء له قدر كبير وزاد فيهم أيضاً أضعاف المعتاد فيأخذ جميع ذلك ويختص به، وذلك خلاف أنعامات الباشا عليه بالمئتين من الأكياس ويشتري المماليك والجواري الحسان ولا يدفع لهم ثمناً فيشكون إلى الباشا فيدفعه إلى اليسرجية من خزينته وهو منشرح الخاطر وإخوانه يتأثرون لذلك وتأخذهم الغيرة ويطمعون في جانبه وهو يقصر في حقهم ولا يعطيهم إلا النزر مع المن والتضجر وفيهم من هو أقدم منه هجرة ويرى في نفسه أنه أحق بالتقدم منه لما دنت وفاة أستاذهم أحضر شاهين بك وسلمه خزينته وأوصاه بأن يعطي لكل أمير من خشداشينه سبعة آلاف مشخص ولم يعطهم وطفق كلما أعطاهم شيئاً حسبه عليهم من الوصية حتى إذا أعطى اليلك والبنش لنعمان بك مثلاً يعطيه له أنقص من بنش أمين بك نصف ذراع ويقول هو قصير القامة ونحو ذلك فيحقدون ذلك عليه ويتشكون من خسته وتقصيره في حقهم ويعلم الباشا ذلك، فلما نقض شاهين بك عهده وانضم إلى المخالفين وخشداشينه المذكورون معه بالتنافر القلبي راسلهم الباشا سراً ووعدهم ومناهم بأنهم إذا حضروا إليه وفارقوا شاهين بك الخائن المقصر في حقهم أنزلهم منزلة شاهين بك وزيادة واختص بهم اختصاصاً كبيراً فمالت نفوسهم لذلك القول واعتقدوا بخسافة عقولهم صحته وأنهم إذا رجعوا إليه هذه المرة ونبذوا المخالفين اعتقد صداقتهم وخلوصهم وزاد قدرهم ومنزلتهم عنده وتذكروا عند ذلك ما كانوا فيه أقامتهم بمصر من التنعم والراحة في القصور التي عمروها بالجيزة والبيوت التي اتخذوها بداخل المدينة والرفاهية والفرش الوطيئة وتحركت غلمتهم للنساء والسرارى التي أنعم عليهم الباشا وقالوا مالنا والغربة وتعب الجسم والخاطر والانزعاج والجروب والإلقاء بنفوسنا في المهالك وعدم الراحة في النوم واليقظة فردوا الجواب وتمنوا عليه أيضاً ما حاك في نفوسهم بشرط طرح المؤاخذة والعفو الكامل بواسطة من يعتمد صدقه فاْجابهم لكل ماساْلوه وتمنوه بواسطة مصطفى كاشف المواري وهو معدود سابقاً منهم وانفصل عنهم وانتمى إلى كتخدا بك وصار من أتباعه فعند ذلك شرعوا في مناكدة أخيهم شاهين بك ومفارقته وعقدوا معه مجلساً وقالوا له قاسمنا في ربع المملكة التي خصونا به القسمة التي شرطوها فإننا شركاؤك فإن إبراهيم بك قسم مع جماعته وكذلك عثمان بك وعلي بك أيوب فقال لهم وما هو الذي ملكناه حتى أقاسمكم فيه فقالوا أنت تجحف علينا وتختص بالشيء دوننا فإنك لما اصطلحنا معك مع الباشا وصرفك في البر الغربي اختصيت بإيراده وهو كذا وكذا دوننا، ولم تشركنا معك في شيء ولولا أن الباشا كان يراعينا ويواسينا من عنده لمتنا جوعاً فنحن لا نرافقك ولا نصحبك ولا نحارب معك حتى تظهر لنا ما نقاتل معك عليه وتزايدوا معه في المكالمة والمعاتبة والمفاقمة، ثم انفصلوا عنه ونقلوا خيامهم إلى ناحية البحر واعتزلوه وفارقوا عرضي الجميع، فلما علم بذلك إبراهيم بك الكبير تنكد خاطره وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أي شيء هذا الفشل وخسافة العقل والتفرق بعد الالتئام والاجتماع وذهب إليهم ليصالحهم ويضمن لهم كل ما طلبوه وطمعوا فيه عند تملكهم وقال لهم إن كنتم محتاجين في هذا الوقت لمصرف أنا أعطيكم من عندي عشرين ألف ريال أقسموها بينهم وعودوا لمضربكم معنا فامتنعوا من صلحهم مع شاهين بك فرجع إبراهيم بك يريد أخذ شاهين بك إليهم فامتنع من ذهابه إليهم وقال أنا لست محتاجاً إليهم وإن ذهبوا قلدت أمراء خلافهم وعندي من يصلح لذلك ويكون مطيعاً لي دونهم فإن هؤلاء يرون أنهم أحق مني بالرياسة والجماعة شرعوا في التعدية وانتقلوا إلى البر الشرقي وحال البحر بين الفريقين ووصل إليهم مصطفى كاشف المورلي بمرسوه الباشا واجتمعوا معه عند عبد الله آغا المقيم بناحية بني سويف وضرب لهم شنكاً ومدافع، ثم أنهم انهزموا على الحضور إلى مصر فوصلوا في يوم الخميس خامس عشرينه وقابلوا الباشا وخلع عليهم وأعطاهم تقادم ورجعوا إلى مضربهم ناحية الآثار وصحبتهم ستة عشر من كشافهم والجميع يزيدون عن المائين واْنعم عليهم الباشا بمائتي كيس لكل كبير من الأربعة عشرون كيساً ومائة وعشرون كيساً لبقيتهم واشتروا دوراً واسعة وشرعوا في تغييرها وزخرفتها على طرف فاشترى اْمين بك دار عثمان كتخذا المنفوخ بدرب سعادة من عتقائه ودفع له الباشا ثمنها وأمر لكل أمير منهم بسبعة آلاف ريال ليصرفها فيما يحتاج إليه في العمارة واللوازم وحولهم بذلك على المعلم غالي، ولما تحقق شاهين بك انفصالهم قلد أربعة من أتباعه أمرياتهم وأعطاهم بيرقاً وخيولاً وضم لهم مماليك وطوائف وتمت حيلة الباشا التي أحكمها بمكره وعند ذلك أشيع في الإقليم القبلي والبحري تفرقهم وتفاشلهم ورجع من كان عازماً من القبائل والعربان عن الانضمام إليهم وطلبوا الأمان من الباشا وحضروا إليه ودخلوا في طاعته وأنعم عليهم وكساهم وكانت أهالي البلاد عندما حصلت هذه الحادثة عصت عن دفع الفرض والمغارم وطردوا المعينين وتعطل الحال وخصوصاً عندما شاع غلبة المصريين على الأرنؤد وتفرقت عنهم العربان الذين كانوا انضموا إليهم وأطاع المخالف والعاصي والممانع وكلها أسباب لبروز المقدور والمستور في غيبه سبحانه وتعالى. صاً عندما شاع غلبة المصريين على الأرنؤد وتفرقت عنهم العربان الذين كانوا انضموا إليهم وأطاع المخالف والعاصي والممانع وكلها أسباب لبروز المقدور والمستور في غيبه سبحانه وتعالى.
وفي أواخره حضر كثير من عسكر الدلاة من الجهة الشامية وكذلك حضر أتراك من على ظهر البحر كثيرون.

.شهر جمادى الثانية سنة 1225:

واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الثلاثاء في ثالثه يوم الخميس قلد الباشا ديوان أفندي نظر مهمات الحرمين والتأهب لسفر الحجاز لمحاربة الوهابية وسكن ببيت قصبة رضوان كل ذلك مع توجه الهمة والاستعداد لمحاربة الأمراء المصريين والمذكورون بناحية قنطرة اللاهون.
وأما حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك ومن معهم، فإنهم صعدوا إلى قبلي وملكوا البنادر إلى حد جرجا واستقر دبوس أوغلي بمنية ابن خصيب.
وفي يوم السبت خامسه ارتحل الباشا بعساكره من الجيزة وانتقل إلى جزيرة الذهب ونودي في المدينة بخروج العساكر المقيمين بمصر ولا يتخلف منهم أحد فزاد تعديهم وخطفهم الحمير والجمال والرجال والفلاحين وغيرهم لتسخيرهم في خدمتهم وفي المراكب عوضاً عن النوتية والملاحين الذين هربوا وتركوا سفائنهم فكانوا يقبضون على كل من يصادفونه ويحبسونهم في الحواصل ببولاق واتفق أنهم حبسوا نحو ستين نفراً في حاصل مظلم وأغلقوه عليهم وتركوهم من غير أكل ولا شرب أياماً حتى ماتوا عن آخرهم وانحدر قبطان بولاق وأعوانه في طلب المراكب من بحر النيل فكانوا يقبضون على المراكب الواصلة إلى مصر بالغلال والبضائع والسفار فيلقون شحنها التي لا حاجة لهم بها على شطوط الملق ويأتون بالمراكب إلى بولاق والجيزة إلا أن يعطوهم براطيل على تركهم الغلة بالمراكب حتى يصلوا بها إلى ساحل بولاق فيخرجونها منها، ثم يأخذون المركب وهكذا كان دأبهم بطول هذه المدة.
وفي عاشره، ارتحل الباشا من جزيرة الذهب يريد محاربة المصريين.
وفي منتصفه ورد الخبر بأن حسين بك تابع حسين بك المعروف بالوشاش الألفي أراد الهروب والمجيء إلى الباشا فقبض عليه شاهين بك وأهانه وسلب نعمته وكتفه وأركبه على جمل مغطى الرأس وأرسله إلى الواحات فاحتال وهرب وحضر إلى عرضي الباشا فأكرمه وأنعم عليه وأعطاه خمسين كيساً واستمر عنده.
وفي خامس عشرينه، وصلت الأخبار بأن الباشا ملك قناطر اللاهون وأن المصريين ارتحلوا إلى ناحية البهنسا، ولم يقع بينهم كبير محاربة وأن الباشا استولى على الفيوم وأرسل الباشا هدايا لمن في سرايته ولكتخدا بك من ظرائف الفيوم مثل ماء الورد والعنب والفاكهة وغير ذلك واستولى على ما كان مودعاً للمصريين من الغلال بالفيوم.
وفي أواخره، وصلت أخبار من ناحية الشام بأن طائفة من الوهابية جردوا جيشاً إلى تلك الجهة فتوجه يوسف باشا إلى المزيريب وحصن قلعتها واستعد إليهم بجيش وحاربوهم وطردوهم، ثم اضطربت الأخبار واختلفت الأقوال.

.شهر رجب سنة 1225:

واستهل شهر رجب بيوم الخميس، وفيه وردت الأخبار بورود قزلا آغا من طرف الدولة وعلى يده أوامر وخلعة وسيف وخنجر لمحمد علي باشا وصحبته أيضاً مهمات وآلات مراكب ولوازم حروب لسفر البلاد الحجازية ومحاربة الوهابية وهو يسمى عيسى آغا وأنه طلع إلى ثغر سكندرية.
وفي يوم السبت عاشره الموافق لسادس مسى القبطي أوفى النيل وحصلت الجمعية وحضر كتخدا بك والقاضي وباقي الأعيان وكسر السد بحضرتهم في صبحها يوم الأحد وجرى الماء في الخليج.
وفيه وصل الآغا شبرا وعملوا له هناك شنكاً وحراقات وتعليقات قبالة القصر الذي أنشأه الباشا بساحل شبرا وخرجوا لملاقاته في صبحها بعد ثلاث ليال في يوم الثلاثاء ثالث عشره وعملوا له موكباً عظيماً وطلع إلى القلعة وضربوا عند طلوعه إلى القلعة مدافع وهذا الآغا أسمر اللون حبشي مخصي لطيف الذات متعاظم في نفسه قليل الكلام وفي حال مروره كان بجانبه شخصان ينثران الذهب والفضة والإسلامبولي على الناس المتفرجين وحضر صحبته وصحبة أتباعه السكة الجديدة التس ضربت بإسلامبول من الذهب والفضة وهي دراهم فضة خالصة سالمة من أغش زنة الدرهم منها درهم وزني كامل ستة عشر قيراطاً يصرف بخمسة وعشرين نصفاً من الأنصاف المعاملة العددية المستعملة في معاملة الناس الآن، وكذلك قطعة مضروبة وزن درهمين بالدرهم الوزني تصرف بخمسين، وكذلك قطعة مضروبة وزنها أربعة دراهم وتصرف بمائة نصف وقطعة وزنها ثمانية داهم وتصرف بمائتين وكذلك ذهب فندقلي إسلامي يصرف بأربعمائة نصف وأربعين نصفاً ونصفه وربعه.
وفي يوم الجمعة سادس عشره، حضر الآغا المذكور إلى المسجد الحسيني وصلي به الجمعة وخرج وهو يفرق على الفقراء والمستجدين أرباع الفنادقة وأعطى خدمة الضريح وخدمة المسجد قروشاً إسلامبولي في صرر أقل ما في الصرة الواحدة عشرة قروش.
وفي يوم السبت سابع عشره، عملوا ديواناً بالقلعة وأحضروا خلعة وصلت صحبة الآغا المذكور أرسلها صحبة خازنداره وألبسوها لابن الباشا وجعلوه باشا مير ميران وابن الباشا المذكور ولد مراهق صغير يسمى إسماعيل وضربوا شنكاً ومدافع وأشيع أنه وصلت مبشرون من الجهة القبلية بنصرة الباشا على المصريين وأرسلوا بذلك أوراقاً للأعيان أخبروا فيها بوقوع الحرب بين الفريقين ليلة السبت أو يوم السبت عاشر رجب.
وفي ليلة الثلاثاء عشرينه، أرسلوا تنابيه إلى المشايخ بالحضور من الغد لأنفار عدوها ويكون حضورهم بالمشهد الحسيني فبات الناس في ارتياب وظنون وتخامين، فلما أصبح اليوم حضر شيخ السادات وهو الناظر على أوقاف المشهد إلى قبة المدفن وحضر الشيخ البكري وأغلقوا باب القبة ومنعوا الناس من العبور بالمسجد متشوفين لثمرة هذا الاجتماع وكل من حضر من الأشياخ المشاهير استأذنوا له وأدخلوه إلى القبة وحضر الشيخ الأمير والشيخ المهدي وتأخر حضور الشيخ الشرقاوي لكونه كان ببيت في بولاق، ثم حضر الآغا المذكور ودخل إلى القبة وصحبته ظرف من خشب ففتحه وأخرج منه لوحاً طوله أزيد من ذراعين في عرض ذراع ونصف مكتوب فيه البسملة بخط الثلث مموه بالذهب وهي بخط يد السلطان محمود وتحتها طرة العلامة السلطانية فعلقوه على مقصورة المقام وقرؤوا الفاتحة ودعا السيد محمد المنزلاوي خطيب المسجد بدعوات للسلطان ولما فرغ دعا أيضاً السيد بدر الدين المقدسي، ثم خلع على المشايخ خلعاً وفرق ذهباً، ثم خرج الجميع وركبوا إلى دورهم فكان هذا الجمع جمع سخف لا غير.
وفي يوم الجمعة، ركب الآغا المذكور وذهب إلى ضريح السادات الوفائية بالقرافة صحبة الشيخ المتولي خلافتهم فزار مقابرهم وعلق هناك نوحا أيضاً وفرق دراهم وخلع على الشيخ المذكور خلعة.
ومن الحوادث البدعية من هذا القبيل أن عثمان آغا المتولي آغات مستحفظان سولت له نفسه عمارة مشهد الرأس وهو رأس زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ويعرف هذا المشهد عند العامة بزين العابدين وبذلك اشتهر ويقصدونه بالزيارة صبح يوم الأحد، فلما كانت الحوادث ومجيء الفرنسيس أهملوا ذلك وتخرب المشهد وأهيلت عليه الأتربة فاجتهد عثمان آغا المذكور في تعمير ذلك فعمره وزخرفه وبيضه وعمل به ستراً وتاجاً ليوضع على المقام وأرسل فنادى على أهل الطرق الشيطانية المعروفين بالأشاير وهم السوقة وأرباب الحرف المرذولة الذين ينسبون أنفسهم لأرباب الضرائح المشهورين كالأحمدية والرفاعية والقادرية والبرهامية، ونحو ذلك وأكد في حضورهم قبل الجمع بأيام، ثم أنهم اجتمعوا في يوم الأحد خامس عشرينه بأنواع من الطبول والزمامير والبيارق والأعلام والشراميط والخرق الملونة والمصبغة ولهم أنواع من الصياح والنياح والجلبة والصراخ الهائل حتى ملؤوا النواحي والأسواق وانتظموا وساروا وهم يصيحون ويترددون ويتجاوبون بالصلوات والآيات التي يحرفونها وأنواع التوسلات ومناداة أشياخهم أيضاً المنتسبين إليهم بأسمائهم كقولهم برفع الصوت وضرب الطبلات وقولهم يا هو يا هو يا جباوي ويا بدوي ويا دسوقي ويا بيومي ويصحبهم الكثير من الفقهاء والمتعممين والآغا المذكور راكب معهم والستر المصنوع مركب على أعواد وعليه العمامة مرفوعة بوسط الستر على خشب ومتحلقين حوله بالصياح والمقارع يمنعون أيدي الناس الذين يمدون أيديهم للتمسح والتبرك من الرجال والنساء والصبيان المتفرجين ويرمون الخرق والطرح حتى أنهم يرخونها من الطيقان بالحبال لتصل إلى ذلك التمثال لينالوا جزأ من بركته، ولم يزالوا سائرين به على هذا النمط والخلائق تزداد كثرة حتى وصلوا إلى ذلك المشهد خارج البلدة بالقرب من كوم الجارح حيث المجراة وصنع في ذلك اليوم والليلة أطعمة وأسمطة للمجتمعين وباتوا على ذلك إلى ثاني يوم.
وفيه بعث عيسى آغا الواصل نجيب أفندي إلى الباشا يخبره بحضوره وبالغرض الذي حضر من أجله ويستدعيه للمجيء.
وفي يوم الجمعة غايته وردت أخبار بوقوع حرابة بين الباشا والمصريين وقتل بين الفريقين مقتلة عظيمة عند دلجة والبدرمان وكانت الغلبة للباشا على المصريين وأخذوا منهم أسرى وحضر إلى الباشا جماعة من الأمراء الألفية وهرب الباقون وصعدوا إلى قبلي فعملوا لذلك اليوم شنكاً ومدافع ثلاثة أيام كل يوم ثلاث مرات.